بقلم رولف بروكشميدت

كان الجسر المعلق التاريخي في دير الزور أنيقاً بامتداده فوق نهر الفرات العظيم، بالقرب من التقائه برافده الخابور في شرق سوريا. لقد جلب هذا الجسر بعض العالمية لمدينة دير الزور عاصمة المحافظة التي تحمل نفس الإسم. أثناء الموسم الثاني لمسوحاتنا الأثرية لـ “أطلس توبينغن للشرق الأوسط (TAVO)” في عام 1977، اتخذنا مركزاً لنا في دير الزور لدراسة تلال المستوطنات القديمة من هنا حتى أعالي الخابور شمالاً.

الجسر المعلق التاريخي في مدينة دير الزور
الجسر الذي بني في الأصل لأغراض عسكرية، استخدم لاحقاً بشكل أساسي كجسر للمشاة | بطاقة بريدية، 1960، مجموعة ميشيل فاغنر
الجسر المعلق فوق نهر الفرات في دير الزور
كانت ضفة النهر ولا تزال مكاناً شهيراً للرحلات الاستكشافية رغم دمار الجسر الآن | رامي الأفندي، 2010

الجسر المعلق التاريخي في مدينة دير الزور
مخطط للجسر المثبت بالكابلات وفقاً لنظام جيسكلارد، والذي تم بناؤه عام 1925 من قبل غاستون لينكوجيل لو كوك | رسم: م. مارلات | مجموعة ديديه لينكوجيل لو كوك

كنت طالباً في ذلك الوقت وكان لدي اهتمام أيضاً بالحياة اليومية للناس في المدينة. لم يكن للوهلة الأولى لدى هذه العاصمة الإدارية الكثير لتقدمه من الناحية المعمارية، فقد بدت مآذن المساجد القليلة غريبة بعض الشيء، وبدت أكثر سماكة وغلاظة، وكذلك أشد استدارة في قمتها بالمقارنة مع مثيلاتها في غرب البلاد. من المحتمل أن يكون الفن المعماري العراقي قد أظهر تأثيره في دير الزور بشكل واضح.

كان الجسر المعلق هو المشهد الوحيد والمعلم البارز لهذه المدينة النائية. تم بناؤه عام 1927 خلال فترة الانتداب الفرنسي (1920-1946) على سوريا، وظل لفترة طويلة الجسر الوحيد لدير الزور على نهر الفرات، وقد خُصص منذ سبعينيات القرن الماضي للمشاة فقط، حيث تم بناء جسر آخر حديث للسيارات فوق مجرى النهر من قِبل الحكومة السورية.

سافرنا عبر جسر السيارات باتجاه نهر الخابور، ذلك الرافد الغني بالتلال الأثرية القديمة، والذي أصبح مشهوراً بفضل ماكس فون أوبنهايم. عند مغادرة المدينة باتجاه منطقة الجزيرة، يمكن للمرء أن يتأمل الجسر المعلق على اليسار بعين الإعجاب، وكيف يمتد بشكل لا لبس فيه فوق نهر الفرات، وتحيط به الأشجار التي تعد آخر مشهد أخضر قبل البراري. 

ثُبت الجسر المعلق بركائزه الأربعة بواسطة أسلاك ثخينة، تمتد من الأبراج وتتقاطع مع بعضها البعض في المنتصف لتشكل عقدة، وهي خاصية مميزة لهذا النوع من الجسور. اخترع ألبرت جيسكلارد (1844-1909) هذا النظام. كان جسر دير الزور الذي يبلغ طوله 460 متراً، الجسر قبل الأخير من نوعه. بتاريخ 17 آب من عام 2013 – كما ذكرت الوكالات – تم تفجيره أثناء الاشتباكات في المدينة والمناطق المحيطة بها.

الجسر المعلق التاريخي في مدينة دير الزور
يجري تركيب الركائز المستعرضة الأولى، مع استخدام القوارب لنقل المواد | Fonds Arnodin Leinekugel Le Cocq, 46 S, Archives de Brive
الجسر المعلق التاريخي في مدينة دير الزور
تركيب رافعة لإنشاء رصيف الجسر | Fonds Arnodin Leinekugel Le Cocq, 46 S, Archives de Brive
الجسر المعلق التاريخي في مدينة دير الزور
بفضل ألواح الجدران المقطوعة، يمكن بناء أساسات دعامات الجسر | Fonds Arnodin Leinenkugel Le Cocq، 46 S، Archives de Brive
الجسر المعلق التاريخي في مدينة دير الزور
برج تثبيت الأسلاك شبه المكتمل والذي سيتم فيما بعد توصيل الكابلات عليه| Fonds Arnodin Leinekugel Le Cocq, 46 S, Archives de Brive
الجسر المعلق التاريخي في مدينة دير الزور
يدير أربعة عمال الرافعة لتعميق ركيزة معدنية| Fonds Arnodin Leinekugel Le Cocq, 46 S, Archives de Brive
الجسر المعلق التاريخي في مدينة دير الزور
تخزين المواد المعدنية والتي تنقل بواسطة القطار لتصل إلى دير الزور- من المحتمل أن العمال في خلفية الصورة يقومون بإعداد نقاط تثبيت للكابلات| Fonds Arnodin Leinekugel Le Cocq, 46 S, Archives de Brive
الجسر المعلق التاريخي في مدينة دير الزور
عامل يتعلق على الحبال التي ستدعم لاحقاً سطح الجسر | Fonds Arnodin Leinekugel Le Cocq, 46 S, Archives de Brive

الجسر المعلق التاريخي في مدينة دير الزور
الجسر بعد تدميره عام 2013 | عدسة شاب ديري

لم يتبق سوى برجين يقفان على جزر صغيرة في نهر الفرات المتدفق ببطء، واثنان آخران بالقرب من الضفة. من دون هذا الهيكل السلكي الأنيق تبدو هذه الأبراج كما لو كانت مفقودة. تم تدمير الأقواس الثلاثة المخرَّمة لكل برج من الأبراج بشكل جزئي، وهي تبدو تقريبًا مثل أبراج الكهرباء القديمة من دون أسلاك، والتي تبرز الآن من خلال نبات القصب الطويل تبعًا لزاوية الرؤية. ومَن يدري ما إذا كان سيتم إعادة بنائها في وقت ما.

عندما عدنا من الجزيرة في المساء بعد استكشاف المنطقة ووصلنا إلى الجسر الحديث، أشار لنا الجسر المعلق على اليمين: لقد انتهيتم لتوكم ووصلتم إلى المنزل. قد يعترض المرء على أنه مجرد جسر، لكنه كان أيضًا معلمًا ثقافيًا في أوائل القرن العشرين ومثالًا لفن الهندسة الفرنسية. 

الجسر المعلق التاريخي في مدينة دير الزور
يقف المشاركون في البناء بفخر على منصة العمل المعلقة بالكابلات | Fonds Arnodin Leinekugel Le Cocq, 46 S, Archives de Brive
الجسر المعلق التاريخي في مدينة دير الزور
تدشين أو اختبار قدرة سطح الجسر على الحمل | Fonds Arnodin Leinekugel Le Cocq, 46 S, Archives de Brive

الجسر المعلق التاريخي في مدينة دير الزور
يربط الجسر فوق نهر الفرات سكان دير الزور بشكل أوثق بأهل الجزيرة | Fonds Arnodin Leinekugel Le Cocq, 46 S, Archives de Brive

صورة المقدمة : الجسر المعلق التايخي في دير الزور، صورة مأخوذة من جسر السيارات الحديث | جابر العظمة، 2007


الشكر الجزيل لميشيل فاغنر http://www.timbresponts.fr/articles_et_publications/les_ponts_gisclard2.htm,بريجيت لينيكوغل لو كوك/ صور (مجموعة ديديه لينيكوغل لو كوك)، Fonds Arnodin Leinekugel Le Cocq, 46 S, Archives de Brive/F


تأليف/نشر: رولف بروكشميدت: درس رولف بروكشميدت الأدب الألماني والهولندي وكذلك التاريخ في مدينتي برلين وأوتريخت، وعمل في Tagesspiegel كمحرر منذ عام 1982 وكمؤلف منذ عام 2018. شارك كرسام في بعثة التتقيب الأثري في كامد اللوز، لبنان عام 1974، كما شارك في المسح الأثري (أطلس توبنغن للشرق الأدنى) لمنطقة الخابور في سوريا عام 1977.

تأليف/ نشر هبة بزرة

عالمة آثار من سوريا. عملت لدى مشروع توثيق التراث السوري في سنوات 2018-2019

التعليق هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *